فصل: وجوه الأموال التي تحمل إلى بيت المال وأصنافها ولمن تجب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: أدب الكتاب ***


الديوان

قال الصولي‏:‏ هو اسم فارسي تكلمت به العرب فقالوا‏:‏ ديوان ولم يقولوا‏:‏ ديوان بفتح الدال، كما قالوا‏:‏ ديباج ولم يقولوا ديباج‏.‏

قال الصولي‏:‏ حدثنا أبو العيناء قال‏:‏ حدثني الأصمعي قال‏:‏ كنا عند أبي عمرو ومعنا خلف الأحمر، فقال له رجل أسمعت من يقول ديوان بفتح الدال‏؟‏ فقال أبو عمرو‏:‏ ولو جاز هذا لقالوا في جمعه‏:‏ دياوين‏.‏ فقال خلف‏:‏ قد سمعت بعض حمير ينشد‏:‏

عديني أن أزورك أم عمرو *** دياوين تشقق بالمداد

فقال أبو عمرو لخلف‏:‏ إن حمير لم يفدها هواء نجد‏.‏ قال أبو العيناء‏:‏ فسئل الأصمعي عن معنى البيت فقال‏:‏ يعني أنه في بعث قد كتب اسمه فهو يخشى أن يحل به فيسقط‏.‏

قال محمد بن يحيى الصولي‏:‏ والمعنى في أنه لو كان الواحد ديوان، لجمعوا دياوبن، إن الياء تكون صحيحة أصلية، مثل ريحان ورياحين، فإذا قالوا‏:‏ديوان كان الياء زائدة، فإذا جمعوا انفتحت الدال فقالوا‏:‏ دواوين، وهذا الصواب لأنهم يقولون‏:‏ دون هذا فالواو أصلية كما قالوا‏:‏ ميزان والأصل موزان، لأنه من الوزن، فالواو أصلية، فمن أجل استثقالهم الكسرة مع الواو، قالوا‏:‏ ميزان قلبوا الواو ياء فلما جمعوا قالوا‏:‏ دواوين ردوا الواو لانفتاح الدال‏.‏ قال الشاعر‏:‏

يا زين كتاب الدواوين *** وفيلسوف الخرد العين

يا فتنة سيقت إلى فتية *** عزاب كتاب مساكين

وكان سبب تدوين الدواوين، أن أبا بكر رحمه الله، لما تولى الأمر جاءه مال من البحرين، بعد أن وعد كل من له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة به، فأعطى جابر بن عبد الله عدة كانت له‏.‏ وجاء مال البحرين فقسمه، فأخذ الرجل عشرة دراهم والمرأة كذلك والعبد كذلك‏.‏ جاء في العام الثاني أكثر من ذلك، فأصابهم عشرون درهماً لكل واحد منهم، فتكلمت الأنصار في ذلك فقالوا‏:‏ نصرنا وآوينا فلنا فضلنا، فلم تساوي بيننا وبين من ليس له شيء مما لنا‏؟‏ فقال أبو بكر‏:‏ صدقتم ذاك لكم، فإن كنتم عملتموه لله فدعوا هذا وإن كنتم فعلتموه لغيره زدتكم، فقالوا‏:‏ عملناه لله وانصرفوا‏.‏

حدثنا الغلابي قال‏:‏ حدثنا عبد الله بن الضحاك عن الهيثم بن عدي عن عوانة قال‏:‏ جاء مال من البحرين إلى أبي بكر رضي الله عنه، فساوى فيه بين الناس، فغضبت الأنصار وقالوا‏:‏ فضلنا، فقال لهم أبو بكر‏:‏ صدقتم إن أردتم أن أفضلكم فقد صار ما عملتم للدنيا، وإن شئتم كان ذلك لله والدين‏!‏ فقالوا‏:‏ والله ما عملناه إلا لله وانصرفوا‏.‏ فرقي أبو بكر المنبر فحمد الله وأثنى عليه وصلى على نبيه صلى الله عليه وسلم ثم قال‏:‏ ‏"‏والله يا معشر الأنصار، لو شئتم أن تقولوا‏:‏ إنا آويناكم وشاركناكم في أموالنا ونصرناكم بأنفسنا لقلتم، وإن لكم من الفضل ما لا نحصيه عدداً وإن طال به الأمد، فنحن وأنتم كما قال الغنوي‏:‏

جزى الله عنا جعفراً حين أزلقت *** بنا نعلنا في الواطئين فزلت

أبوا أن يملونا، ولو كانت أمنا *** تلاقي الذي يلقون منا لملت

هم أسكنونا في ظلال بيتهم *** ظلال بيوت أدفأت وأكنت‏"‏

ثم توفي أبو بكر رضي الله عنه، وقام عمر بعده، فأتى أبو هريرة بمال من البحرين، وكان مبلغه ثمانمائة ألف درهم، وفي أخرى خمسمائة ألف درهم فخطب الناس فقال‏:‏ ‏"‏إنه قد جاءكم مال، فإن شئتم كلته لكم كيلاً، وإن شئتم عددنا لكم عدداً‏"‏، فقال له الفيرزان - وروي أن غيره قال له - إن العجم تدون ديواناً لهم يكتبون فيه الأسماء وما لواحد واحد‏.‏ فأمر باتخاذ الديوان‏.‏

وقد روي أن عمر بعث بعثاً فقال له الفيرزان‏:‏ إن تخلف من هذا البعث أحد كيف تصنع به وكيف يعلم عاملك بخبره‏؟‏ قال‏:‏ فما ترى‏؟‏ فأشار بالديوان فعمله، وجعل المال في بيت مال، وجعل الأرزاق مشاهرة، وكل ذلك برأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتماع منهم فكان هذا أوله‏.‏ ثم كثر المال عليه، فقالوا‏:‏ بمن تبدأ‏؟‏ قال‏:‏ أشيروا علي‏.‏ فقالوا‏:‏ أبدأ في الكتاب والقبض بنفسك‏.‏ فقال‏:‏ بل بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكتب عائشة في اثني عشر ألفاً في كل سنة، وكتب سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في عشرة آلاف، لكل واحدة وكتب بعد أزواج النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن علي بن أبي طالب صلوات الله عليه في خمسة آلاف، ومن شهد بدراً من بن هاشم، ومن مواليهم، ثم كتب عثمان بن عفان في خمسة آلاف، ومن شهد بدراً من بني أمية ومواليهم على سواء‏.‏

ثم قال‏:‏ قد بدأت بآل الرسول صلى الله عليه وسلم وبأقاربه فيمن ترون أن نبدأ بعدهم‏؟‏ فقالوا‏:‏ بنفسك‏.‏ قال‏:‏ بل بآل أبي بكر فكتب طلحة في خمسة آلاف وبلالاً في مثلها‏.‏ ثم قال للناس‏:‏ بمن أبدأ‏؟‏ قالوا بنفسك‏.‏ قال‏:‏ صدقتم فكتب لنفسه، ولمن شهد بدراً، من بطون قريش، خمسة آلاف خمسة آلاف‏.‏ ثم كتب لمن شهد بدراً من الأنصار أربعة آلاف أربعة آلاف‏.‏ فقالوا‏:‏ قصرت بنا عن إخواننا المهاجرين‏.‏ فقال عمر‏:‏ لا أجعل الذين قال الله‏:‏ ‏"‏للفقراء والمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون‏"‏ كمن كانت الهجرة في داره، فرضوا‏.‏ ثم كتب لمن شهد أحداً بثلاثة آلاف لكل واحد منهم‏.‏ ثم فرض لمن شهد فتح مكة في ألفين ألفين‏.‏ وأنشد الطالقاني‏:‏

يا قمر الديوان يا *** من صرت فيه علماً

كأنما في كبدي *** أنت تجر القلما

وقال مجنون بني عامر يذكر أن للرقباء دواوين عليه‏:‏

إني أرى عائدات الحب تقتلني *** وكان في بدئها ما كان يكفيني

في كل منزلة ديوان معرفة *** لم تبق باقية ذكر الدواوين

تحويل الديوان من الفارسي إلى العربي

قال أبو بكر‏:‏ حدثنا القاضي عمرو بن تركي قال‏:‏ حدثنا القحذمي قال‏:‏ كان بالبصرة والكوفة ديوانان لإعطاء الجند والمقاتلة والذرية بكتاب بالعربية، وديوان بالفارسية‏.‏ وبالشام ديوان بالعربية لمثل ذلك، وديوان بالرومية‏.‏ فحول ديوان العراق إلى العربية أبو الوليد صالح بن عبد الرحمن البصري، وهو مولى بني مرة بن عبيد من بني سعيد بن زيد مناة بن تميم وكان من سبي سجستان‏.‏ وكان صالح يكتب لزادان فروخ على الدواوين أيام الحجاج، وكان أول من جمع له الغزاة أن زياداً قال‏:‏ فاستكتب عليها زادان فروخ الأعور، فبقي إلى هذا الوقت قال‏:‏ فلما رأى الحجاج ذكاء صالح قربه، فقال لزادان فروخ‏:‏ إن الأمير يقدمني عليك، وأنت سببي منه، وما أحب ذلك، فلم يزل يؤخره عنه والحجاج يطلبه، فقال له زادان فروخ‏:‏ لابد للحجاج مني لأنه لا يجد من يقوم بحساب ديوانه غيري، فقال له صالح‏:‏ إنه إن أمرني بنقل الحساب إلى العربي فعلت، قال‏:‏ فانقل شيئاً منه بين يدي ففعل، فقال زادان فروخ‏:‏ لكتابه الفرس التمسوا مكسباً غير هذا‏.‏

قال وقدم الحجاج صالحاً فقلب صالح الديوان إلى العربي وكان كتاب العراقين كلهم غلمانه وتلاميذه‏.‏ وكان ديوان الشام إلى سرجون بن منصور، وكان رومياً نصرانياً، كتب لمعاوية ولمن بعده إلى عبد الملك بن مروان، ثم رأى عبد الملك منه توانياً، فقال عبد الملك لسليمان بن سعد مولى لحسين - وكان على مكاتبات عبد الملك والرسائل‏:‏ ما أحتمل سحب سرجون، أفما عندك حيلة في أمره‏؟‏ فقال‏:‏ بلى أنقل الحساب إلى العربية من الرومية، فقال‏:‏ افعل‏.‏ فحوله، فولاه عبد الملك جميع دواوين الشام وصرف سرجون فلم يزل سليمان بن سعد على ذلك إلى أيام عمر بن عبد العزيز رحمه الله‏.‏ ثم إن عمر بن عبد العزيز وجد عليه فعزله، واستكتب مكانه صالح بن كثير الصداي من أهل طبرية‏.‏

قال الصولي‏:‏ حدثنا علي بن الصباح يقول‏:‏ سمعت الحسن بن رجاء يقول‏:‏ ناظر فارسي عربياً بين يدي يحيى بن خالد البرمكي فقال الفارسي‏:‏ ‏"‏ما احتجنا إليكم قط في عمل ولا تسمية، ولقد ملكتم فما استغنيتم عنا في أعمالكم ولا لغتكم، حتى إن طبيخكم وأشربتكم ودواوينكم وما فيها على ما سمينا، ما غيرتموه كالإسفيداج والسكباج والدوغباج، وأمثاله كثيرة وكالسكنجبين والخلنجبين والجلاب، وأمثالها كثيرة وكالروزنامج والاسكدار والفراونك، وإن كان رومياً ومثله كثير، فسكت عنه العربي‏.‏ فقال له يحيى بن خالد‏:‏ قل له‏:‏ ‏"‏اصبر لنا نملك كما ملكتم ألف سنة بعد ألف سنة كانت قبلها لا نحتاج إليكم ولا إلى شيء كان لكم‏"‏‏.‏

قال‏:‏ وما سمعته العرب فاحتاجت إلى استعماله في نظم أو نثر، فقد أعربته فصار عربياً بتكلمها به وإعرابها إياه‏.‏ ألا ترى إلى امرئ القيس لما خرج يريد ملك الروم فرأى الفراونك، وفعله وإنه مقطوع الذنب كيف وصفه وعربه فقال في قصيدته التي أولها‏:‏ سما لك شوق بعد ما كان أقصرا

فقال فيها‏:‏

إذا قلت روحنا أرن فرانق *** على جلعد واهي الأباجل أبترا

بكى صاحبي لما رأى الدرب دونه *** وأيقن أنا لاحقان بقيصرا

قال أبو بكر‏:‏ واعترضني خبر لطيف في الفرانق ليس من الكتاب فذكرته‏:‏ حدثني عون بن محمد الكندي، قال‏:‏ كان ابن شاهك عدواً لأحمد بن أبي أمية، وكان فيه تأنيث فولاه إسحاق بن إبراهيم عملاً، فقال ابن أبي أمية يخاطب إسحاق ويذكر ابنه بابن شاهك، وجعل الذي رماه به كالفرانق، وما معه كالخريطة فقال له‏:‏

‏"‏قل‏"‏للأمير أدام الله نعمته *** قولاً له عند أهل الرأي تحصيل

إن ابن شاهك قد وليته عملاً *** أضحى وحقك عنه وهو مشغول

بسكة أحدثت ليست بشارعة *** تفضي إلى عرصة في جوفها ميل

يرى فرانقها في الركض مندفعاً *** ينوي خريطته والبغل مشكول

وهذا نحو قول أعرابي يصف صاحباً له، تزوج فلم يفق ليله فأنشد‏:‏

فبات يسري ليله ولم ينم *** ولم يجاوز سيره قيس قدم

وأنشد هارون بن عبد الله لدعبل، يهجو الحسن بن وهب، لما ولي البريد بنحو قول ابن أبي أمية‏:‏

ألا أبلغ أمير المؤمنين محمداً *** رسالة ناء عن جانبيه شاحط

بأن ابن وهب حين يشحج شاحج *** يمر على القرطاس أقلام غالط

أحب بغال البرد حباً مداخلاً *** دعاه إلى غشيانها في المرابط

ولولا أمير المؤمنين لأصبحت *** أيور بغال البرد حشو الخرائط

وقد هجا عبد الرحمن بن عائشة ميمون بن إبراهيم صاحب البريد بنحو معنى ابن أبي أمية فقال‏:‏

ألا قولا لميمون مقالاً *** يدبره الحكيم بحسن عقله

أما ينهاك شيبك عن كتاب *** شغلت بخرجة عنا ودخله

يجيء به الفرانق مستعداً *** بغير يد فيأخذه برجله

الجزء الثالث

وجوه الأموال التي تحمل إلى بيت المال وأصنافها ولمن تجب

الأموال ثلاثة

الفيء

ووجوهه خمسة‏:‏

منها ما أفاء الله على المسلمين، مما يجدونه في المدينة التي تفتح، بعد سكون الحرب، وانتقال الدار من اسم الكفر إلى الإسلام، فذلك فيء وليس بغنيمة، كالذي فعل عمر رضي الله عنه في كنز الفخيرجان، وقد أتى به السائب، وقد ولاه قسمة الغنائم بنهاوند، لما فتحها الله على المسلمين، جمع السائب الغنائم فقسمها، ثم جاء من دله على الكنز، فاستخرجه، وكان سفطين من جوهر فأتى بهما عمر رحمه الله، فأمره أن يبيعهما ويقسم ثمنهما بين الذرية، ولم يأمره أن يخمسه، فتبين أنه جعله فيئاً ولم يجعله غنيمة‏.‏

والوجه الثاني‏:‏ الجزية جزية رؤوس أهل الذمة‏.‏

والوجه الثالث‏:‏ ما يؤخذ من نصارى تغلب وهو الزكاة مضاعفة‏.‏

والوجه الرابع‏:‏ ما يؤخذ من تجارات أهل الذمة التي يختلفون فيها‏.‏

والوجه الخامس‏:‏ ما يؤخذ من تجارات المشركين الذين يدخلون بلاد الإسلام بعهد‏.‏ يؤخذ من تجارات أهل الذمة نصف العشر، ومن تجارات المشركين العشر‏.‏

والمال الثاني‏:‏ الخمس

ووجوهه أربعة فأولها الركاز، وهو دفن الجاهلية والكفار القدماء، إذا وجده إنسان أدى إلى السلطان خمسه وكانت له أربعة أخماسه‏.‏

والثاني‏:‏ المعدن وهو الموضع الذي يوجد فيه الذهب والفضة والرصاص والنحاس والحديد، وقد اختلف فيه، فقال أهل العراق‏:‏ فيه الخمس كالركاز، وقال أهل الحجاز فيه الزكاة معجلة‏.‏

والثالث‏:‏ ما استخرج من البحر من العنبر واللؤلؤ، وقد اختلف فيه، فقال أهل العراق‏:‏ لا شيء فيه وهو بمنزلة المسك‏.‏ وروي عن عمر رضي الله عنه أن يعلى بن منبه كتب إليه، وهو على اليمن، أن رجلاً وجد عنبرة على ساحل البحر، فكتب إليه عمر أنها سيبة من سيب الله، فيها وفي كل ما أخرج البحر، من حليه الخمس‏.‏ وقال ابن عباس رضي الله عنه‏:‏ ذاك رأيي‏.‏

والرابع‏:‏ كل ما غنمه المسلمون من مال المشركين فيه الخمس‏.‏

والمال الثالث‏:‏ الصدقة وهي في العين من كل عشرين ديناراً نصف دينار، وفي الورق من كل مائتي درهم وهو ربع العشر، والحلي ما كان منه جوهراً، فلا شيء فيه، وما كان ذهباً أو فضة ففيه ربع العشر، وكذلك كل ما يركب لا زكاة فيه‏.‏

والمماليك لا زكاة فيهم إلا زكاة الفطر‏.‏ فإن كانوا للتجارة، كانت فيهم الزكاة، ولم يكن فيهم زكاة الفطر، وزكاة هذا كله أن يقوم ويؤخذ ربع عشر قيمته‏.‏

وفي الإبل، إذا بلغت خمساً، شاة، وإذا بلغت عشراً شاتان، وإذا بلغت خمس عشرة ثلاث شياه، وإذا بلغت عشرين ففيها أربع، فإذا بلغت خمساً وعشرين ففيها بني مخاض، فإن لم تكن ابنة مخاض فابن لبون إلى خمس وثلاثين، فإذا زادت واحدة ففيها ابنة لبون إلى خمس وأربعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقة إلى ستين، فإذا زادت واحدة ففيها جذعة إلى خمس وسبعين، فإذا زادت واحدة ففيها حقتان إلى مائة وعشرين، ثم يكون في كل أربعين ابنة لبون، وفي خمسين حقة‏.‏

وبعض الفقهاء يقول‏:‏ تستأنف الفريضة بعد المائة والعشرين كما كانت في الابتداء لكل خمس شاة‏.‏

وفي الغنم، في كل أربعين شاة، ثم ليس فيها شيء، حتى تزيد على عشرين ومائة، فإذا زادت واحدة ففيها ثلاث شياه إلى ثلاثمائة ثم يكون في كل مائة شاة، ولا يؤخذ من الزيادة شيء حتى تكمل مائة ويحول عليها الحول وهي على هذا التمام‏.‏

وفي البقر وجواميسها في ثلاثين بقرة تبيع أو تبيعة، وهو جذع أو جذعة، وفي كل أربعين مسنة، وليس فيما بين الثلاثين إلى الأربعين شيء، وفي كل سبعين تبيع أو تبيعان، وليس فيما بين الأربعين والستين شيء، وحسابها بعد في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة، ولا زكاة في شيء مما ذكرنا حتى تكون سائمة، والسائمة الراعية التي ترعى في كلأ المسلمين، الذين هم فيه سواء، فأما من لم يجد شيئاً من ذلك يعلفه ويمونه من ماله، فلا زكاة فيه وإن كثر‏.‏

وقال أهل الحجاز‏:‏ لا زكاة في خيل ولا رقيق، إلا زكاة الفطر التي تلزم الأحرار، ولا في شيء من دواب الوحش، ولا زكاة في لؤلؤ ولا ياقوت ولا مرجان ولا لباس ولا في شيء من العروض، إلا زكاة التجارة، فهي على ما سميت لك فقس على ذلك‏.‏

وصدقة الأرض العشر مما يخرج الله منها، إذا بلغت خمسة أوسق‏.‏ والوسق ستون صاعاً، والصاع خمسة أرطال وثلث بالرطل البغدادي في قول أهل الحجاز‏.‏ وهو في قول أهل الكوفة خمسة أرطال بهذا الرطل، إذا كانت الأرض تشرب سيحاً أو ماء السماء، وإن كانت تشرب بدولاب وما أشبهه ففيه نصف العشر‏.‏

والفيء للمقاتلة والذرية وذوي الغناء عن الإسلام‏.‏

والخمس لمن قال الله عز وجل‏:‏ ‏"‏واعلموا أن ما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى‏"‏، يعني قرابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم بنو هاشم بن عبد مناف، وبنو المطلب ابن عبد مناف خاصة من سائر بني عبد مناف، لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ذلك لهم، فكلمه عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف في أن يجعلهم في أسهم القربى مثل إخوتهم بني المطلب بن عبد مناف إذ كانوا في القربى مثلهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏لا أفعل إن بني المطلب ما فارقونا في جاهلية ولا إسلام وكانوا معنا كذا‏"‏ وشبك بين أصابعه‏.‏ وإنما رعى لهم النبي صلى الله عليه وسلم فعلهم، لما أدخلت قريش بني هاشم شعباً وقالوا‏:‏ لا نكلمهم ولا نبايعهم، فدخل بنو عبد المطلب معهم وقالوا‏:‏ لا نفارق إخواننا‏.‏ واليتامى ليتامى سائر الناس ليس فيهم يتامى بني هاشم ولا يتامى بني المطلب‏.‏

والمساكين مساكين الناس عامة ليس فيهم مساكين بني هاشم ولا مساكين بني المطلب‏.‏ وقد قال قوم‏:‏ اليتامى والمساكين يتامى هؤلاء ومساكينهم‏.‏ وابن السبيل الضيف الفقير‏.‏

واختلف الناس في الله وسهم الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال قوم‏:‏ المعنى في قول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏فإن لله خمسه‏"‏ مفتاح كلام، كما يقال‏:‏ هذا لله ولك وقد أعتقك الله وأعتقتك‏.‏

والخمس مقسوم على خمسة كما قال الله عز وجل‏:‏ وقال قوم‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا أتي بالغنيمة، ضرب فما وقع فيها من شيء جعله للكعبة وهو سهم الله‏.‏ هذا قول مالك‏.‏ ثم يقسم ما بقي على خمسة أسهم‏:‏ فسهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ولذي القربى سهم، ولليتامى والمساكين وابن السبيل سهم سهم‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ كان الخمس يقسم على أربعة‏:‏ فربع للنبي صلى الله عليه وسلم ولذي القربى، فما كان لله وللرسول، فهو لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يأخذوا من الخمس شيئاً، والربع الثاني لليتامى، والربع الثالث للمساكين، والربع الرابع لابن السبيل‏.‏

وقال قوم‏:‏ كان خمس الله وخمس رسوله صلى الله عليه وسلم واحداً، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعطي بعضه ويصرف الباقي فيما أسماه الله له، وفيما يراه صلاحاً للمسلمين، والعدل قسمته والحق ما فعله عليه الصلاة والسلام‏.‏

وقد اختلف في سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وسهم ذي القربى بعد وفاته، فقال قوم‏:‏ سهم ذي القربى لقرابة النبي عليه الصلاة والسلام، وقال قوم‏:‏ لقرابة الخليفة‏.‏ وقال قوم‏:‏ ما يكون سهم النبي صلى الله عليه وسلم للخليفة من بعده، ثم اجتمع رأيهم على أن يجعلوا هذين السهمين في الخيل والغزو، وفي سبيل الله ومصلحة المسلمين، فكانا يصرفان في ذلك أيام أبي بكر ومن بعده من الأئمة رضي الله عنهم‏.‏

والصدقات للأصناف التي ذكرها الله عز وجل فقال‏:‏ ‏"‏إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم‏"‏‏.‏

فالفقراء في اللغة هم الذين لهم قوت مجهودة أن يكفيهم لا فضل لهم ولا عندهم‏.‏ واحتجوا في ذلك بقول الراعي‏:‏

أما الفقير الذي كانت حلوبته *** وفق العيال فلم يترك له سبد

فقالوا‏:‏ والمسكين الذي لا قوت له وقول الله عز وجل‏:‏ ‏"‏أما السفينة فكانت لمساكين‏"‏، يوجب خلاف ما حده أهل اللغة في المسكين‏.‏

واختلف الناس في سهم المؤلفة قلوبهم، فقال قوم‏:‏ قد انقطع اليوم سهم بقوة الإسلام وأهله فسهمهم يرجع على الباقين‏.‏ وقال قوم‏:‏ بل للإمام أن يتألف من يراه هذا السهم له‏.‏

وأما سهم العاملين في الفريضة فأمرهم إلى الإمام يفرض لهم ما أراد‏.‏

وفي الرقاب قيل‏:‏ هو أن يشترى العبد فيعتق‏.‏ وقال بعضهم، وهو الشافعي‏:‏ لا يشترى من الصدقة عبد فيعتق، ولكن يعان المكاتب منها‏.‏

و ‏"‏الغارمين‏"‏‏:‏ وهم قوم أدانوا ديناً في غير معصية‏.‏

وفي سبيل الله‏:‏ في الغزو‏.‏ وقال بعضهم‏:‏ في سبيل الله في الذين يقاتلون عليها أهلها، إذا منعوها حتى يؤدوها‏.‏

وابن السبيل‏:‏ المسافر الذي تنقطع به نفقته يعطى منها ما يبلغه إلى بلده من الصدقة‏.‏